كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأجيب بأنه إنما يكون كذبًا لو كانوا قصدوا به الأخبار حقيقة أما لو كان فرضا لأمر صوروه في أنفسهم لما أتوا على صورة البشر كما يذكر العالم إذا صور مسألة لأحد أو كان كناية وتعريضًا بما وقع من داود عليه السلام فلا، وقرأ أبو يزيد الجرار عن الكسائي {خَصْمَانِ} بكسر الخاء.
{فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ} أي ولا تتجاوزه، وقرأ أبو رجاء وابن أبي عبلة وقتادة والحسن وأبو حيوة {وَلاَ تُشْطِطْ} من شط ثلاثيا أي ولا تبعد عن الحق، وقرأ قتادة أيضًا {تشط} مدغما من أشط رباعيا، وقرأ زر {تشاطط} بضم التاء وبألف على وزن تفاعل مفكوكًا، وعنه أيضًا {وَلاَ تُشْطِطْ} من شطط، والمراد في الجميع لا تجر في الحكومة وأرادوا بهذا الأمر والنهي إظهار الحرص على ظهور الحق والرضا به من غير ارتياب بأنه عليه السلام يحكم بالحق ولا يجوز في الحكم وأحد الخصمين قد يقول نحو ذلك للإيماء إلى أنه المحق وقد يقوله اتهامًا للحاكم وفيه حينئذ من الفظاظة ما فيه؛ وعلى ما ذكرنا أولًا فيه بعض فظاظة، وفي تحمل داود عليه السلام لذلك منهم دلالة على أنه يليق بالحاكم تحمل نحو ذلك من المتخاصمين لاسيما إذا كان ممن معه الحق فحال المرء وقت التخاصم لا يخفى.
والعجب من حاكم أو محكم أو من للخصوم نوع رجوع إليه كالمفتي كيف لا يقتدي بهذا النبي الأواب عليه الصلاة والسلام في ذلك بل يغضب كل الغضب لأدنى كلمة تصدر ولو فلتة من أحد الخصمين يتوهم منها الحط لقدره ولو فكر في نفسه لعلم أنه بالنسبة إلى هذا النبي الأواب لا يعدل والله العظيم متك ذباب، اللهم وفقنا لأحسن الاخلاق واعصمنا من الاغلاط {واهدنا إلى سَوَاء الصراط} أي وسط طريق الحق بزجر الباغي عما سلكه من طريق الجور وإرشاده إلى منهاج العدل.
{إِنَّ هَذَا أَخِى} الخ استئناف لبيان ما فيه الخصومة، والمراد بالاخوة أخوة الدين أو اخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الخلطاء} [ص: 24] وكل واحد من هذه الأخوات يدلي بحق مانع من الاعتداء والظلم، وقيل: هي أخوة في النسب وكان المتحاكمان أخوين من بني إسرائيل لأن وام، ولا يخفى أن المشهور أنهما كانا من الملائكة بل قيل لا خلاف في ذلك.
و{أَخِى} بيان عند ابن عطية وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري، ولعل المقصود بالإفادة على الثاني قوله تعالى: {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ واحدة} وهي الأنثى من بقر الوحش ومن الضأن والشاء والجبلي وتستعار للمرأة كالشاة كثيرًا نحو قول ابن عون:
أنا أبوهن ثلاث هنه ** رابعة في البيت صغرًا هنه

ونعجتي خمسًا توفيهنه ** ألا فتى سحج يغذيهنه

وقول عنترة:
يا شاة ما قنص لمن حلت له ** حرمت على وليتها لم تحرم

وقول الأعشى:
فرميت غفلة عينه عن شاته ** فاصبت حبة قلبها وطحالها

والظاهر إبقاؤها على حقيقتها هنا ويراد بها أنثى الضان، وجوز إرادة الامرأة، وسيأتي إن شاء تعالى ما يتعلق بذلك، وقرأ الحسن وزيد بن علي {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ} بفتح التاء فيهما، وكثر مجيء الفعل والفعل بمعنى واحد نحو السكر والسكر ولا يبعد ذلك في التسع لاسيما وقد جاور العشر، والحسن وابن هرمز {ونعجة} بكسر النون وهي لغة لبعض بني تميم، وقرأ ابن مسعود {وَلِى نَعْجَةٌ أنثى} ووجه ذلك الزمخشري بأنه يقال امرأة أنثى للحسناء الجميلة والمعنى وصفها بالعراقة في لين الأنوثة وفتورها وذلك أملح لها وأزيد في تكسرها وتثنيها ألا ترى إلى وصفهم لها بالكسول والمكسال، وقوله:
فتور القيام قطيع الكلام ** لغوب العشاء إذا لم تنم

وقول قيس بن الخطيم:
تنام عن كبر شأنها فإذا ** قامت رويدًا تكاد تنغرف

وفي الكلام عليه توفية حق القسمين أعني ما يرجع إلى الظالم وما يرجع إلى المظلوم كأنه قيل: إنه مع وفور استغنائه وشدة حاجتي ظلمني حقي، وهذا ظاهر إذا كانت النعجة مستعارة وإلا فالمناسب تأكيد الأنوثة بأنها كاملة فيها فيكون أدر وأحلب لما يطلب منها على أن فيه رمزًا إلى ما وري عنه {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} ملكنيها، وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، وقال ابن كيسان: اجعلها كفلى أي نصيبي، وعن ابن عباس وابن مسعود تحول لي عنها وهو بيان للمراد وألصق بوجه الاستعارة {وَعَزَّنِى} أي غلبني، وفي المثل من عَزَّ بَزَّ أي من غلب سلب وقال الشاعر:
قطاة عزها شرك فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح

{فِى الخطاب} أي مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أطق رده، وقال الضحاك: أي إن تكلم كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني، وقال ابن عطية: كان أوجه مني وأقوى فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي، وقيل: أي غلبني في مغالبته إياي في الخطبة على أن الخطاب من خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابًا أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني، وهو قول من يجعل النعجة مستعارة، وتعقبه صاحب الكشف فقال: حمل الخطاب على المغالبة في خطبة النساء لا يلائم فصاحة التنزيل لأن التمثيل قاصر عنه لنبو قوله: {وَلِى نَعْجَةٌ} عن ذلك أشد النبوة وكذا قوله: {أَكْفِلْنِيهَا} إذ ينبغي على ذلك أن يخاطب به ولي المخطوبة إلا أن يجعل الأول مجازًا عما يؤول إليه الحال ظنًا والشرط في حسنه تحقق الانتهاء كما في {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] والثاني مجاز عن تركه الخطبة، ولا يخفى ما فيهما من التعقيد، ثم إنه لتصريحه ينافي الغرض من التمثيل وهو التنبيه على عظم ما كان منه عليه السلام وأنه أمر يستحي من كشفه مع الستر عليه والاحتفاظ بحرمته انتهى فتأمل.
وقرأ أبو حيوة وطلحة {وَعَزَّنِى} بتخفيف الزاي، قال أبو الفتح: حذفت إحدى الزائين تخفيفًا كما حذفت إحدى السينين في قول أبي زيد:
أحسن به فهن إليه شوس ** وروي كذلك عن عاصم

وقرأ عبد الله، وأبو وائل، ومسروق، والضحاك، والحسن، وعبيد بن عمير {وعازني} بألف بعد العين وتشديد الزاي أي وغالبني.
{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ} جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل ذي النعجات الكثيرة وتهجين طمعه، وليس هذا ابتداء من داود عليه السلام إثر فراغ المدعى من كلامه ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور الحال لديه فقيل: ذلك على تقدير {لَقَدْ ظَلَمَكَ} إن كان ما تقول حقا؛ وقيل ثم كلام محذوف أي فاقر المدعى عليه فقال: {لَقَدْ ظَلَمَكَ} الخ ولم يحك في القرآن اعتراف المدعى عليه لأنه معلوم من الشرائع كلها أنه لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدعى عليه، وجاء في رواية أنه عليه السلام لما سمع كلام الشاكي قال للآخر ما تقول فاقر فقال له: لترجعن إلى الحق أو لأكسرن الذي فيه عيناك، وقال للثاني: {لَقَدْ ظَلَمَكَ} الخ فتبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه، وقيل: ذهبا نحو السماء بمرأى منه، وقال الحليمي: إنه عليه السلام رأى في المدعى مخايل الضعف والهضيمة فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعي عليه فاستعجل بقوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ} ولا يخفى أنه قول ضعيف لا يعول عليه لأن مخايل الصدق كثيرًا ما تظهر على الكاذب والحيلة أكثر من أن تحصى قديمًا وحديثًا؛ وفيما وقع من إخوة يوسف عليه السلام ولم يكونوا أنبياء على الأصح ما يزيل الاعتماد في هذا الباب، وبعض الجهلة ذهب إلى نحو هذا، وزعم أن ذنب داود عليه السلام ما كان إلا أنه صدق أحدهما على الآخر وظلمه قبل مسألته، والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة كأنه قيل: {لَقَدْ ظَلَمَكَ} بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب أو لقد ظلمك بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الخلطاء} أي الشركاء الذي خلطوا أموالهم الواحد خليط وهي الخلطة وقد غلبت في الماشية وفي حكمها عند الفقهاء كلام ذكر بعضًا منه الزمخشري {لَيَبْغِى} ليتعدى {بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} غير مراع حق الشركة والصحبة.
{إلاَّ الَّذينَ ءَامَنُوا وَعَملُوا الصالحات} منهم فانهم يتحامون عن البغي والعدوان {} منهم فانهم يتحامون عن البغي والعدوان {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} أي وهو قليل جدًّا فقليل خبر مقدم و{هُمْ} مبتدأ وما زائدة، وقد جاءت المبالغة في القلة من التنكير وزيادة ما الإبهامية ويتضمن ذلك التعجب فإن الشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه فكأنه قيل: ما أقلهم، والجملة اعتراض تذييلي، وقرئ {لَيَبْغِى} بفتح الياء على تقدير حذف النون الخفيفة وأصله ليبغين كما قال طرفة بن العبد:
اضرب عنك الهموم طارقها ** ضربك بالسيف قونس الفرس

يريد اضربن، ويكون على تقدير قسم محذوف وذلك القسم وجوابه خبر لأن، وعلى قراءة الجمهور اللام هي الواقعة في خبر أن وجملة {يبغي} الخ هو الخبر، وقرئ {ليبغ} بحذف الياء للتخفيف كما في قوله تعالى: {واليل إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4] وقوله:
محمد تفد نفسك كل نفس ** إذا ما خفت من أمر تبالا

والظاهر أن قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الخلطاء} الخ من كلام داود عليه السلام تتمة لما ذكره أولًا وقد نظر فيه ما كان عليه التداعي كما هو ظاهر التعبير بالخلطاء فإنه غالب في الشركاء الذين خلطوا أموالهم في الماشية وجعل على وجه استعارة النعجة ابتداء تمثيل لم ينظر فيه إلى ما كان عليه التداعي كأنه قيل: وأن البغي أمر يوجد فيما بين المتلابسين وخص الخلطاء لكثرته فيما بينهم فلا عجب مما شجر بينكم وترتب عليه قصد الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الذين حكم لهم بالقلة وأن يكره إليهم الظلم والاعتداء الذي عليه أكثرهم مع التأسف على حالهم وأن يسلى المظلوم عما جرى عليه من خليطة وأن له في أكثر الخلطاء أسوة أو كأنه قيل: إن هذا الأمر الذي جرى بينكما أيها الخليطان كثيرًا ما يجرى بين الخلطاء فينظر فيه إلى خصوص حالهما، قال في الكشف: والمحمل الأظهر هذا.
وعلى التقديرين هو تذييل يترتب عليه ما ذكر.
ثم قال: ولعل الأظهر حمل الخلطاء على مالتعارفين والمتضادين واضرابهم ممن بينهم ملابسة شديدة وامتزاج على نحو:
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا

والغلبة في الشركاء الذي خلطوا أموالهم في عرف الفقهاء فذكر الخلطاء لا ينافي ذكر الحلائل إذا لم ترد الخلطة. اهـ.
وأنت خبير بأن ذلك وإن لم يناف ذكر الحلائل لكن أولوية عدم إرادة الحلائل وإبقاء النعجة على معناها الحقيقي مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان {وَظَنَّ داود أَنَّمَا فتناه} الظن مستعار للعلم الاستدلالي لما بينهما من المشابهة الظاهرة، وفي البحر لما كان الظن الغالب يقارب العلم استعير له، فالمعنى وعلم داود وأيقن بما جرى في مجلس الحكومة أن الله تعالى ابتلاه، وقيل لما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ثم صعدا إلى السماء حيال وجهه فعلم بذلك أنه تعالى ابتلاه، وجوز إبقاء الظن على حقيقته، وأنكر ابن عطية مجيء الظن بعد العلم اليقيني وقال: لسنا نجده في كلام العرب وإنما هو توقيف بين معتقدين غلب أحدهما على الآخر وتوقعه العرب على العلم الذي ليس بواسطة الحواس فإنه اليقين التام ولكن يخلط الناس في هذا ويقولون: ظن بمعنى أيقن إلى آخر ما أطال، ويفهم منه أن إطلاق الظن على العلم الاستدلالي حقيقة والمشهور أنه مجاز، وظاهر ما بعد أنه هنا بمعنى العلم و{إِنَّمَا} المفتوحة على ما حقق بعض الأجلة لا تدل على الحصر كالمكسورة، ومن قال بإفادتها إياه حملًا على المكسورة كالزمخشري لم يدع الأطرد فليس المقصود هاهنا قصر الفتة عليه عليه السلام لأنه يقتضي انفصال الضمر، ولا قصر ما فعل به على الفعل لأن كل فعل ينحل إلى عام وخاص فمعنى ضربته فعلت ضربه على أن المعنى ما فعلنا به إلا الفتنة كما قال أبو السعود لأنه على ما قيل تعسف وإلغاز، ومن يدعي الأطراد يلتزم الثاني من القصرين المنفيين ويمنع كون ما ذكر تعسفًا وإلغازًا.
وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رجاء والحسن بخلاف عنه {فتناه} بتشديد التاء والنون مبالغة، والضحاك {افتناه} كقوله على ما نقله الجوهري عن أبي عبيدة:
لئن فتنتني لهي بالأمس افتنت ** سعيدًا فأمسى قد غوى كل مسلم

وقتادة وأبو عمرو في رواية {داود أَنَّمَا فتناه} بضمير التثنية وهو راجع إلى الخصمين {فاستغفر رَبَّهُ} إثر ما علم أن ما صدر عنه ذنب {وَخَرَّ رَاكِعًا} أي ساجدًّا على أن الركوع مجاز عن الجسود لأنه لا فضائه إليه جعل كالسبب ثم تجوز به عنه أو هو استعارة لمشابهته له في الانحناء والخضوع والعرب تقول نخلة راكعة ونخلة ساجدة، وقال الشاعر:
فخر على وجهه راكعا ** وتاب إلى الله من كل ذنب

وقيل أي خر للسجود راكعًا أي مصليًا على أن الركوع بمعنى الصلاة لاشتهار التجوز به عنها، وتقدير متعلق لخر يدل عليه غلبة فحواه لأنه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} [النحل: 26].
وقال الحسين بن الفضل: أي خر من ركوعه أي سجد بعد إن كان راكعًا، وظاهره إبقاء الركوع على حقيقته وجعل خر بمعني سجد.
والجمهور على ما قدمنا، واستشهد به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه على أن الركوع يقوم مقام السجود في سجدة التلاوة وهو قول الخطابي من الشافعية ولا فرق في ذلك بين الصلاة وخارجها كما في البزازية وغيرها.
وفي الكشف قالوا أي الحنفية: إن القياس يقتضي أن يقوم الركوع مقام السجود لأن الشارع جعله ركوعًا وتجوز بأحدهما عن الآخر لقيامه مقامه وإغنائه غناءه.
وأيدوه بأن السجود لم يؤمر به لعينه ولهذا لم يشرع قربة مقصودة بل للخضوع وهو حاصل بالركوع {فَانٍ قُلْتَ} إن سجدة داود عليه السلام كانت سجدة شكر والكلام في سجدة التلاوة قلت: لا علي في ذلك لأني لم أستدل بفعل داود عليه السلام بل بجعل الشارع إياه مغنيًا غناء السجود، ولأصحابنا يعني الشافعية أن يمنعوا أن علاقة المجاز ما ذكروه بل مطلق الميل عن الخصوع المشترك بينهما أو لأنه مقدمته كما قال الحسن: لا يكون ساجدًّا حتى يركع أو خر مصليًا والمعتبر غاية الخضوع وليست في الركوع. اهـ.
ولا يخفى أن المعروف من النبي صلى الله عليه وسلم السجود ولم نقف في خبر على أنه عليه الصلاة والسلام ركع للتلاوة بدله ولو مرة وكذا أصحابه رضي الله تعالى عنهم، وليس أمر القياس المذكور بالقوى فالأحوط فعل الوارد لا غير بل قال بعض الشافعية: إن قول الأصحاب لا يقوم الركوع مقام السجدة ظاهر في جواز الركوع وهو بعيد والقياس حرمته، وعني صاحب الكشف بما ذكر في السؤال من أن سجدة داود عليه السلام كانت سجدة شكر أنها كانت كذلك من نبينا صلى الله عليه وسلم فقد أخرج النسائي وابن مردويه بسند جيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في {ص} وقال: سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا أي على قبول توبة داود عليه السلام من خلاف الأولى بعلى شأنه وقد لقي عليه السلام على ذلك من القلق المزعج ما لم يلقه غيره كما ستعلمه إن شاء الله تعالى، وآدم عليه السلام وإن لقي أمرًا عظيمًا أيضًا لكنه كان مشوبًا بالحزن على فراق الجنة فجوزى لذلك بأمر هذه الأمة بمعرفة قدره وانه أنعم عليه نعمة تستوجب دوام الشكر إلى قيام الساعة، ولقصته على ما في بعض الروايات شبه لما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم في قصة زينب المقتضى للعتب عليه بقوله تعالى: {وَتُخْفِى في نَفْسِكَ} [الأحزاب: 37] الآية فيكون ذكرها مذكرًا له عليه لصلاة والسلام ما وقع وما آل الأمر إليه مما هو أرفع وأجل فكأن ذلك اقتضى دوام الشكر بإظهار السجود له، ولعل ذلك وجه تخصيص داود بذلك مع وقوع نظيره لغيره من الأنبياء عليهم السلام فتأمله، ولا تغفل عن كون السورة مكية على الصحيح وقصة زينب رضي الله تعالى عنها مدنية، وينحل الإشكال بالتزام كون السجود بعد القصة فلينقر، وهي عند الحنفية إحدى سجدات التلاوة الواجبة كما ذكر في الكتب الفقهية، ومن فسر {خَرَّ رَاكِعًا} بخر للسجود مصليًا ذهب إلى أن ما وقع من داود عليه السلام صلاة مشتملة على الجسود وكانت للاستغفار وقد جاء في شريعتنا مشروعية صلاة ركعتين عند التوبة لكن لم نقف في خبر على ما يشعر بحمل ما هنا على صلاة دواد عليه السلام لذلك وإنما وقفنا على أنه سجد {وَأَنَابَ} أي رجع إلى الله تعالى بالتوبة.